فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} قال: {الدين} الإخلاص، و{واصبًا} دائمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} قال: لا إله إلاّ الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَاصِبًا} قال: دائمًا.
وأخرج الفريابي، وابن جرير عنه: قال واجبًا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {تَجْئَرُونَ} قال: تتضرعون دعاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: تصيحون بالدعاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} قال: وعيد.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ} الآية، قال: يعلمون أن الله خلقهم ويضرّهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم {نَصِيبًا مّمّا رزقناهم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية، قال: هم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله، وجزءوا من أموالهم جزءًا فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية، قال: هو قولهم {هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} [الأنعام: 136].
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} الآية، يقول: يجعلون لي البنات يرتضونهنّ لي، ولا يرتضونهنّ لأنفسهم.
وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسها في التراب وهي حية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك: {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} قال: يعني به: البنين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج {أَمْ يَدُسُّهُ في التراب} قال: يئد ابنته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله: {أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} قال: بئس ما حكموا، يقول: شيء لا يرضونه لأنفسهم، فكيف يرضونه لي.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس {وَلِلَّهِ المثل الاعلى} قال: يقول ليس كمثله شيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} قال: ما سقاهم المطر.
وأخرج أيضًا عن السدّي نحوه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية، قال: قد فعل ذلك في زمن نوح، أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلاّ ما حمل في سفينته.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره، ثم قال: أي والله زمن غرق قوم نوح.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عنه قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم.
ثم قرأ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا عن أنس نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة، أنه سمع رجلًا يقول: إن الظالم لا يضرّ إلاّ نفسه.
قال أبو هريرة: بلى، والله إن الحبارى لتموت هزالًا في وكرها من ظلم الظالم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} قال: يجعلون لي البنات، ويكرهون ذلك لأنفسهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب أَنَّ لَهُمُ الحسنى} قال: قول كفار قريش: لنا البنون، وله البنات.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} قال: منسبون.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: معجلون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60] وفي سورة الروم: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27] للسائل أن يسأل عما زيد في آية الروم من قوله: {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} مع أن ذلك مفهوم من الآية الأخرى ومعلوم لايمكن خلافه وإن يقع به إفصاح في اللفظ؟
والجواب أن ذلك إنما جرى بحسب مقتضى المقصود في كل من الآيتين، أما آية النحل فقد تقدمها قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل: 60] فقوبل بحسب التفصيل ومقتضى التقابل بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] فتطابق الكلام وتناسب موزانة لفظ وجليل تقابل، ولم يقع قلبها ذكر السماوات والأرض، فلم يكن ليناسب ذلك ذكرهما بعده.
وأما آية الروم فتقدمها قوله عز وجل: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] ثم قال بعد: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27] ووضوح التناسب في هذا غير محتاج إلى زيادة بيان.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: 61] وفي سورة الملائكة: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: 61] فيهما سؤالان:
أحدهما: قوله تعالى في الأولى: {بظلمهم} وفي الثانية {بما كسبوا}.
والثاني، قوله في الأولى {عليها} وفي الثانية {على ظهرها}.
والجواب: أن آية النحل تقدمها قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل: 58-59] فإشارة الآية إلى وأدهم البنات-وهو أعظم الظلم وأشنعه إذ لم يتقدم للمؤودة جريمة ولا شبهة يتعلق بها قاتلها- ناسب هذا ذكر الظلم، فقال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} والضمير في عليها للأرض، يفهمه سياق الكلام، فناسب ما أشير إليه من عظيم ظلمهم التوبيخ بذكر الظلم في قوله: {بظلمهم} ولما لم يتقدم في آية سورة الملائكة إفصاح بذكر الظلم بل تقدمها قوله: {فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 42-43] إلى قوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} [فاطر: 43] فأشير إلى اجتراماتهم وسيء اكتسابهم بنفورهم ومكرهم السيء، فناسب ذلك قوله: {بما كسبوا} وقيل هنا: {ما ترك على ظهرها} والضمير للأرض يسره السياق كالأول، وقيل: {على ظهرها} ليناسب في طول تركيبه قوله: {بما كسبوا}، كما ناسب قوله: {عليها} في الآية الأولى قوله: {بظلمهم} في قلة حروفه تناسب التوازن والتقابل، فورد كلّ على ما يجب. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)}.
مَثَلُ السوءِ للكفار الذين جحدوا توحيدَه فلهم صفة السوء.
ولله صفات الجلال ونعوت العِزِّ، ومَنْ عَرَفَه بنعت الإلهية تَمَّتْ سعادتُه في الدارين، وتعجلت راحته، وتنَّزه سِرُّه على الدوام في رياضِ عرفانه، وطَرِبَتْ روحُه أبدًا في هيجان وَجْدِه.
أمَّا الذين وُسِمُوا بالشِّركِ ففي عقوبة مُعَجَّلة وهموم مُحَصَّلة. {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ} أي لو عاملهم بما استحقوا عاجلًا لَحَلَّ الاستئصالُ بهم، ولكنَّ الحُكْمَ سَبَقَ بإمهالهم، وسَيَلْقَوْن غِبَّ أعمالِهم في مآلهم.
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}.
انخدعوا لمَّا لانَ لهم العيشُ، فظنوا أنهم ينجون، وبما يُؤَمِّلونه يحيطون؛ فَحسُنَتْ في أعينهم مقابحُ صفاتهم، ويومَ يُكْشَفَ الغطاء عنهم يعضون بنواجذ الحسرة على أنامل الخيبة، فلا تسْمَعُ منهم دعوة، ولا تتعلق بأحدهم رحمة.
{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}.
أنزل هذه الآية على جهة التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه أخبر أن مَنْ تَقدَّمَه من الأمم كانوا في سلوك الضلالة، والانخراط في سِلْكِ الجهالة كما كان من قومه، ولكن اللَّهَ سبحانه لم يعجز عنهم، وكما سَوَّلَ الشيطانُ لأُمَّتِه، وكان وليًا لهم، فهو وليُّ هؤلاء، وأمَّا المؤمنون فالله وليُّهم، والكافرون لا مَوْلى لهم. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {ويجعلون لله البنات} الآيات. يقول: يجعلون له البنات، يرضونهن له ولا يرضونهن لأنفسهم، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هون أو دسّها في التراب وهي حية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {ولهم ما يشتهون} قال: يعني به البنين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} قال: هذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله بخبث صنيعهم. فأما المؤمن، فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما ندري أنه لخير لرب جارية خير لأهلها من غلام، وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، فكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كانت العرب يقتلون ما ولد لهم من جارية فيدسونها في التراب وهي حية حتى تموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {على هون} أي هوان بلغة قريش.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {أم يدسه في التراب} قال: يئد ابنته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ألا ساء ما يحكمون} قال: بئس ما حكموا. يقول: شيء لا يرضونه لأنفسهم، فكيف يرضونه لي....؟
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ولله المثل الأعلى} قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: {ولله المثل الأعلى} قال: يقول ليس كمثله شيء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}.
قوله تعالى: {أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} العامَّةُ على أنَّ {الكذبَ} مفعولٌ به، و{أَنَّ لَهُمُ الحسنى} بدلٌ منه بدلُ كلٍ مِنْ كل، أو على إسقاط الخافض، أي: بأنَّ لهم الحسنى.
وقرأ الحسن {أَلْسِنَتْهُمْ} بسكونِ التاء تخفيفًا، وهي تُشْبه تسكينَ لامِ {بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]، وهمزة {بارِئْكم} ونحوه.
والأَلْسِنَةُ جمع لِسان مرادًا به التذكير فجُمِع كما يُجْمَعُ فِعال المذكر نحو: حِمار وأَحْمِرة، وإذا أُريد به التأنيثُ جُمِعَ جمعَ أفْعُل كذِراع وأَذْرُع.
وقرأ معاذ بن جبل {الكُذُبُ} بضمِّ الكاف والذال ورفعِ الباء، على أنه جَمْعُ كَذُوب كصَبُور وصُبُر، وهو مقيسٌ، وقيل: جمع كاذِب نحو: شارِف وشُرُف، كقولها:
ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النَّواء

لكنه غيرُ مقيسٍ، وهو حينئذٍ صفةٌ ل {ألسنتهم}، وحينئذٍ يكون {أَنَّ لَهُمُ الحسنى} مفعولًا به، وقد تقدَّم الكلامُ في {لا جَرَمَ} مستوفى في هود.
قوله: {وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} قرأ نافع بكسرِ الراء اسمَ فاعلٍ مِنْ أَفْرَطَ إذا تجاوَزَ، فالمعنى: أنهم يتجاوزون الحَدَّ في معاصي الله تعالى. فأفْعَلَ هنا قاصرٌ، والباقون بفتحها اسمَ مفعولٍ مِنْ أَفْرَطْتُه، وفيه معنيان، أحدُهما: أنَّه مِنْ أَفْرطته خلفي، أي: تركتُه ونَسِيْتُه، حكى الفراء أنَّ العرب تقول: أَفْرِطْتُ منهم ناسًا، أي: خَلَّفْتُهم، والمعنى: أنهم مَنْسِيًّون متروكون في النار، والثاني: أنه مِنْ أَفْرَطْتُه، أي: قَدَّمْتُه إلى كذا، وهو منقولٌ بالهمزة مِنْ فَرَط إلى كذا، أي: تقدَّم إليه، كذا قال الشيخ، وأنشد للقطامي:
واسْتَعْجَلُونْا وكانوا مِنْ صحابَتِنا ** كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ

فَجَعَلَ فَرَط قاصرًا وأفرط منقولًا، وقال الزمخشري: بمعنى يتقدَّمون إلى النار، ويتعجَّلون إليها، مِنْ أَفْرَطْتُ فلانًا وفَرَطْتُه إذا قدَّمته إلى الماء، فجعل فَعَل وأفْعَل بمعنى، لا أن أَفْعل منقولٌ مِنْ فَعَل، والقولان محتملان، ومنه الفَرَطُ، أي: المتقدم. قال عليه السلام: «أنا فَرَطُكم على الحوض» أي: سابِقُكم، ومنه واجعله فَرَطًا وذُخْرًا، أي: متقدِّمًا بالشفاعةِ وتثقيلِ الموازين.
وقرأ أبو جعفر- في روايةٍ- {مُفَرِّطون} بتشديدِ الراء مكسورةً مِنْ فَرَّط في كذا: أي: قَصَّر، وفي روايةٍ، مفتوحةً، مِنْ فَرَّطته مُعَدَّى بالتضعيفِ مِنْ فَرَط بالتخفيف، أي: تَقَدَّم وسَبَقَ.
وقرأ عيسى بن عمر والحسن {لا جَرَمَ إنَّ لهم النارَ وإنهم} بكسرِ {إنَّ} فيهما على أنَّها جوابُ قسمٍ أَغْنَتْ عنه {لا جَرَمَ}.
{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}.
قوله تعالى: {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ حكايةَ حالٍ ماضيةٍ، أي: فهو ناصرُهم، أو آتيةٍ، ويراد باليوم يومُ القيامة، هذا إذا عاد الضمير على {أُمَم} وهو الظاهر.
وجَوَّز الزمخشريُّ أن يعودَ على قريش، فيكونَ حكايةَ حالٍ في الحال لا ماضيةٍ ولا آتيةٍ، وجوَّز أن يكون عائدًا على {أمم} ولكنْ على حَذْفِ مضافٍ تقديره: فهو وَلِيٌّ أمثالِهم اليومَ، واستبعده الشيخُ، وكأنَّ الذي حمله على ذلك قوله: {اليومَ} فإنه ظرفٌ حالِيٌّ، وقد تقدَّم أنه على حكايةِ الحالِ الماضية أو الآتية. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: أن يخسف الله بهم أرض البشرية ودركات السفل أو يأتيهم العذاب بالمكر والاستدراج من حيث لا يشعرون، أنه من أين أتاهم من قبل الأعمال الدنيوية أو من قبل الأعمال الأخروية أو يأخذهم في تقلبهم من أعمال الدنيا إلى أعمال الآخرة بالرياء، ومن أعمال الآخرة إلى أعمال الدنيا بالهوى {أو يأخذهم على تخوّف} تنقص من مقاماتهم ودرجاتهم بلا شعورهم {فإن ربكم لرءُوف} بالعباد إذ أعطاهم حسن الاستعداد {رحيم} حين لا يأخذهم بعد إفساد الاستعداد في الحال لعلهم يتوبون في المآل فيقبل توبتهم بالفضل والنوال. ما خلق الله من شيء وهو عالم الأجسام فإن عالم الأرواح خلق من لا شيء يتفيأ ظلاله، فإن الأجسام ظلال الأرواح فتارة تميل بعمل أهل السعادة إلى أصحاب اليمين، وأخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال {سجدًا لله} منقادين لأمره مسخرين لما خلقوا لأجله، وإنما وحد اليمين وجمع الشمال لكثرة أصحاب الشمال، وسجود كل موجود يناسب حاله كما أن تسبيح كل منهم يلائم لسانه {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} أراد بالإله الآخر الهوى لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما عبد إله أبغض على الله من الهوى» {ويجعلون} يعني أصحاب النفوس والأهواء {لما لا يعلمون} لمن لا علم لهم بأحوالهم {نصيبًا} بالرياء {مما رزقناهم} من الطاعات {تالله ليسئلن عما كنتم تفترون} والسؤال عن المعاملات إنما هو بتبديل الصفات وتغير الأحوال من سمة السعادة إلى سمة الشقاوة وبالعكس {ويجعلون لله البنات} أظن أن البنات إشارة إلى صفات فيها نوع نقص كالتجسيم والتشبيه والحلول والاتحاد، ونسبته إلى الظلم والجور والتعطيل وعدم الاستقلال بالتأثير وغير ذلك مما لا يليق بغاية جلاله ونهاية كماله فلهذا قال سبحانه: {ولهم ما يشتهون} يعني أن كل أحد يجب أن يوصف بغاية الكمال ويتغير وجهه إذا نبه على عيب فيه ولا يعلم أن مطلق الكمال لا يليق إلا بالواجب بالذات، ونفس الإمكان نقصان يستلزم جميع النقصانات والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. اهـ.